منتدى امنه السامعي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 اضواء على طريق اليمنيين

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
سمــّـــو آلأمــيــر
مديرهـۃ ال آمون ♦
مديرهـۃ ال آمون ♦
سمــّـــو آلأمــيــر


ذكر عدد المساهمات : 2247
نقاط : 2807
تاريخ التسجيل : 10/07/2013
عمرك : 27
الموقع : حيثما تكون هي اكون انا
العمل/الترفيه : أضحك وغض الطرف واصفح وجامل واعطي الناس كلن على قد عقلة
المزاج : نصفي‘غموض بأمتدآده تضيعـون والنصف الاخـر صعب تستوعبونه

اضواء على طريق اليمنيين Empty
مُساهمةموضوع: اضواء على طريق اليمنيين   اضواء على طريق اليمنيين Emptyالأربعاء سبتمبر 17, 2014 12:55 am

اضواء على طريق اليمنيين
أزمة المثقف اليمني

ليست القحطانية والهاشمية ولا الزيدية والشافعية لا الفوضى والاستبداد غير ظاهر لمشكلتنا الرئيسية " التخلف"

محمد أحمد نعمان


ماذا نريد ..؟

في 16 اغسطس سنة 1953م توجهت إلى مجموعة من المعتقلين السياسيين في "حجة" وهم البقية الباقية من قادة الأحرار اليمنيين أسألهم وضع خطة شاملة كبرنامج سياسي للأحرار يطالبون الحكومة آنذاك بتحقيقه ، أو يعملون هم إذا ما استطاعوا السيطرة على السلطة ، أن ينفذوه بانفسهم ، ودارت مناقشات حينها جمعتها واصدرتها في كتاب (من وراء الاسوار) الذي اصدرته دار الكاتب العربي في لبنان .
ولم تتوصل المناقشات يومها للرد على السؤال الخالد ، ماذا نريد ؟
ثم اشتركت مع بعض من الذين تصدوا للاجابة في مناوئة العهد المتوكلي خارج اليمن بعد انقلاب سنة 55 وظل السؤال معلقاً دون جواب .
وخلال العمل السياسي المضاد للنظام الإمامي سواء داخل (الاتحاد اليمني) أو (الجبهة الوطنية المتحدة) أو (الاتحاد القومي لليمن) في الصحافة أو المنتديات كنت الح دائماً في سؤالى عن البديل للأوضاع التي نشكوها .
واليوم وقد قامت الجمهورية نظاماً للحكم في جزء من اليمن هو الجزء الشمالي المعروف سابقاً بالمملكة المتوكلية أجد أن السؤال قد عاد يطرح نفسه في قوة والحاح من جديد ولا فارق بين وضع اغسطس 1953م واليوم ، إلا أن الذين كانوا بالامس حبيسي أسوار أربعة في سجن قاهرة حجة قد أصبحوا اليوم يتربعون كراسي الحكم في صنعاء .
وكان التساؤل يومها يدور في همس مستريب فأصبح اليوم شغل الكثيرين الشاغل في صراحة ووضوح .
ومن أجل الوصول إلى جواب إيجابي يساعد على حل المشكلة اليمنية أتقدم من جديد بعرض الموقف السياسي الراهن والرأي الذي توصلت إليه في شق سبل الخلاص من حالة الانغلاق الذي عاشته اليمن قروناً طويلة .
فإلى الزملاء من الطليعة التقدمية سواء كانوا في مراكز السلطة أو خارجها أتقدم بهذه الدراسة آملاً ان تثير الاهتمام الواعي بمشاكل الحكم والبلاد تمهيداً لحلها الحل السليم .
القاهرة ابريل 1964م
محمد أحمد نعمان

ازمـة
حرج ما بعده حرج ان يجد المرء نفسه ، يواجه احلامه مواجهة المنكر لها المتبرم بها الناقد لها في عنف وشمول وعمق .
واشد قسوة على النفس من هذا الحرج أن يتقبل الإنسان أحلامه وهو يجدها تتحقق بصورة مشوهة تكون في بعض حالاتها أسوأ من الوضع الذي أراد الخلاص منه.
وبين قبول الأمر على علاته والتصدي للنقد والتصحيح الذي يحتاج لعمليات عميقة وواسعة تبدو وكأنها رفض للوضع الجديد بأكمله تتمزق أعصاب الواعين الذين يريدون ان يحققوا بجهودهم تغييراً ايجابياً في حياة بلادهم لا أن ينفعلوا فينفسوا عن مشاعرهم بأي تعبير من التعبيرات الصارخة .
وتلك هي ازمة المثقفين في اليمن اليوم .
وقبل أن نستطرد القول تواجهنا عدة أسئلة :
من هو المثقف اليمني ؟ وماذا يريد ؟ وما الذي جرى في أرضه حتى تثور الأزمة لديه؟.
والمثقف اليمني في عرفنا ، هو من أوتي حظاً من الفهم والدراسة يمكنه من التعبير عن الرغبة التي تجيش في نفوس الجماهير لتطوير أوضاع اليمن ، والخروج بها من عزلتها عن العالم المتحضر ، وإعادة صياغة العلاقات الاجتماعية والسياسية على أسس عادلة بين مختلف فئات الشعب .
ولكي نكون دقيقين مع أنفسنا والواقع ينبغي لنا أن نتبين مدى وضوح هذا التعريف ودقته في أذهان وواقع من ندعوهم المثقفين ، وهل هذا التعريف الشامل ينطبق من كل جانب على كل من يدعى مثقفاً ؛ أم أن القلة هي التي ينطبق عليها التعريف كاملاً، بينما تتوزع الكثرة جوانب من هذا التعريف أو تبرز لدى بعضهم جوانب وتضعف أخرى أو تختفي .
ولمزيد من البيان نجدنا أحوج ما نكون لاستعراض المناخ الفكري للثورة اليمنية وعوامل الثورة في واقع الشعب ومدى فهم المثقفين في مختلف أنحاء اليمن لواقع شعبهم في مناطقه المختلفة .

المناخ الفكري للثورة
منذ مطلع عهد الإمام يحيى سنة 1918م ، أي بعد جلاء الأتراك الذين حكموا اليمن في عهدهم الثاني الذي استمر 52 عاماً (1285- 1337هـ) ، واليمن تتفاعل بعوامل الثورة على العهد القديم الذي عاشته فقضى عليها بالتخلف عن ركب العالم المتحضر .
وكأية جماعة بشرية تتوق لنقلة تاريخية نجد الطليعة في اليمن تتألف من الشباب المستنير القادر على استنباط احاسيس المجتمع وبلورتها في أفكار مصوغة صياغة تشد العزيمة الشعبية لهدم النظام القديم .
ولم تكن الطليعة اليمنية في هذه المرحلة من تاريخ اليمن لتستطيع الفكاك من المؤثرات الثقافية التي كانت سائدة في تلكم الفترة ، وليست أكثر من شذرات مبعثرة عن تاريخ اليمن القديم وصور مهزوزة عن العالم الحديث الذي نقلت أخباره اليها عبر النظم التركية في الإدارة والأدوات الحديثة التي استخدموها في الحرب أثناء وجودهم في بلادنا أو تلك الصحف القليلة والكتب التي كان يبعثها بعض المهاجرين اليمنيين إلى إخوانهم واصدقائهم داخل اليمن .
وإذا ما نحن تذكرنا جيداً أساليب التعليم في العهد المتوكلي وما سبقه من عهود تمتد إلى صدر الإسلام ، تجدنا أمام حلقات في الجوامع يتجمع فيها الطلاب للإستماع إلى شيخ يقرأ عليهم كتاباً ما في قواعد اللغة أو الفقه والتفسير والحديث ، أو هو يستمع لهم يتداولون قراءة إحدى هذه الكتب وما يجيب به الشيخ على استفسار يأتي من أحد ( طالبي العلم الشريف) يقبل دون نقاش.
في هذا المناخ الثقافي الراكد الرتيب تمرد قلة من الشباب على أساليب التفكير الشائعة ولكن هذا التمرد لم يتم إلا بمزيد من الحذر حتى ليكاد يكون تململاً وامتعاضاً أقرب منه إلى التمرد، وانسل هؤلاء من الحلقات ليعالجوا مواضيع أخرى في شئون الحياة متذرعين بمختلف المعاذير التي كان أقواها ضمانا الإتجاه لمعالجة الشعر لوضع قصائد المديح في خليفة الله وابن رسول الله أو كتابة ( تاريخ الأئمة الأطهار)

الأجواء المختلفة
لم تكن اليمن مترابطة الأجزاء بحيث يسهل الانتقال بين مناطقها دون مشقة وعسر، كما أنه ليس فيها صحافة أو إذاعة تنقل أخبار المناطق لبعضها البعض فتيسر التفاعل السريع، وانتقال الأفكار من جهة لأخرى بحيث يستطاع توحيد وجهات النظر التي لا بد وأن تتنوع في مجتمع كالمجتمع اليمني الذي يعيش أبناؤه في مناطق ذات مناخات مختلفة وأوضاع جغرافية متباينة.
وإزاء هذه الحالة فقد اختلفت بواعث الثورة في اليمن وتنوعت، وإن أجمع الشباب المستنير في مختلف المناطق على السخط من الأوضاع عامة، فان تحليلهم لبواعث السخط وبالتالي رأيهم في الحلول يختلف اختلافات كبيرة.
وإذا ما نحن عدنا بذاكرتنا إلى حال صنعاء وتعز في مطلع العهد المتوكلى فإن الصورة تتجلى لنا بوضوح، وهاتان المدينتان هما أبرز مجالات تجمع الشباب المستنير في اليمن .
كانت صنعاء بجوامعها العديدة ذات الأوقاف الواسعة مهبط الشباب من مختلف أنحاء الشمال إذا يلقون في هذه الجوامع المسكن المعد (لطلبة العلم) والمقرر من الحبوب الذى يسد الرمق كما يجدون الشيخ المعتكف في الجامع يعطى الدروس بلا مقابل من الطلاب وقد عرف هؤلاء الطلاب بإسم المهاجرين كما إن المأوى الملحق بالجوامع يسمى "المنازل" جمع "منزلة".
وإلى جانب هؤلاء الشباب القادمين من القبائل المجاورة لصنعاء نجد أبناء الأسر التجارية في صنعاء أو المشاركة في الإدارة ممن تدربوا على شئون الإدارة في عهد الأتراك أو توصلوا للمراكز الإدارية بسبب تعاونهم مع الإمام قبل سيطرته على صنعاء ومن هذا اللقاء ثارت مقارنات صامتة بين ابن الفقير المهاجر الذى يتفوق في الدرس على إبن الأمير أو الحاكم أو التاجر ولكنه يعيش في حالة سيئة ووضع قاس على كرامته، لأن ما تقرر لهؤلاء الطلاب من الحبوب لا يكفى احتياجاتهم، ولم يكن هناك غير سبيلين اثنين لسد هذه الاحتياجات:
1- الراتب : وهو ليس مبلغاً من المال يصرف للطالب من جهة رسمية وإنما هو رغيف تتكفل به أسرة من الأسر يومياً لهذا الطالب يذهب بنفسه يطرق بابها كل يوم عند الظهيرة فتقدمه له ، وقد يتمكن الطالب من الحصول على عدة أرغفة من عدة بيوت يأكل منها ما يحتاج لأكله ويتصرف بالباقي أما بالمقايضة مع بعض زملائه بشيء آخر أو ببيعه، والبعض يجدون رغيفا وإداما، أو يدعون للأكل وقت الظهر على مائدة بعض (المحسنين).
2- الدريس: أي تلاوة القران مقابل مبلغ من المال تحت طلب المحتاج للتقرب إلى الله لحل ضائقة نزلت به أو وفاء بنذر أو طلباً للشفاء أو النجاة من خطر يحتمل.
ومن خضوع الكثيرين لهذه الأوضاع واستمرار المقارنات في أنفسهم بينهم وبين أحوال زملائهم بدأت النقمة على الأوضاع في نفوس البعض من الشباب وتفتح وعيهم على إحساس مرير بتناقضات شائعة في المجتمع قاسية على نفوسهم ولو أن هذا الإحساس كان غامضاً أيضاً قدر المرارة التي أتسم بها.
وفي محيط الشباب نفسه نمت مشاعر الضيق بالأوضاع من خلال التطلعات الشابة للمتعة الحسية في "صنعاء" باعثة الخيالات الشعرية في تاريخ اليمن بما عرف عن أهلها من ظرف ورقة، وما امتاز به مناخها من لطف واعتدال وإشراق.
وكان العهد المتوكلى قاتم النظرة للوجود بطبيعة تكوين قادته القادمين من المغارات والكهوف والجبال الجرداء السوداء وعناء المعركة الطويلة المدى مع الأتراك والثقافة الشيعية الحاقدة على الوجود بينما كانت صنعاء الطروب ما تزال ندية الأجواء بليالي الباشوات وما فاح فيها من عطور وبخور تتمايل منها القدود وتدور لها الرؤوس.
وبهذا أضيف عامل جديد من عوامل السخط ضاعف من حدته وساعد على تبلوره أن بدا صراع بين المدرسة التركية في الإدارة والمدرسة الأمامية إذا صح ان نطلق على الفوضى الرسمية الدائمة إسم المدرسة، وإذا بمشاعر الضيق الفردية تبدأ تعبر نفسها في أسلوب ناقد للدولة التي تأبى السير على النظام وترتاد الفوضى مسلكاً لها ومنهجاً.
فإذا ما سافرت إلى العراق مجموعة من شباب صنعاء الذين نضجت مشاعرهم في هذا الجو وعادوا إلى بلادهم يحملون الإنطباعات القوية عن الفوارق بين حال بلادهم والعراق في ذلك الحين واستصحبوا معهم كتباً أدبية حديثة تعالج بعض شئون الحياة خارج حدود "متن الأزهار" و "نهج البلاغة" جد عامل جديد إلى عوامل السخط في صنعاء وهو بعد الشقة بين اليمن والحضارة الحديثة.
ذلك شأن "صنعاء" وتلك عوامل سخطها الرئيسية فماذا عن شقيقتها (تعز)؟

الاستقلال... الاحتلال
استقبال الناس في صنعاء للإمام يحيى حاكماً لها بعد الأتراك لم يكن محل نفور شامل ، وان صاحبه انقباض بعض الشخصيات القليلة التي عاشت في ظل الأتراك ذات سيطرة ونفوذ، ذاك لأن المعركة السياسية خلال الحكم التركي كانت تدور رحاها في الخفاء داخل صنعاء نفسها ، وكان للإمامة أنصارها لأن صنعاء كانت عاصمة كثير من الأئمة خلال القرون العشرة الأخيرة ومهما خضعت صنعاء للحاكمين من "زبيد" أو "تعز" أو "مذيخرة" أو الوافدين من "استامبول" أو "مصر" أو "بغداد" فإنها على الدوام عصية القلب لا تعطي ودها لأحد منهم وما هي إلا فترة تربص حتى تنبذهم مستعينة أو مستخذية للقبائل المحيطة بها والتي تجند نفسها لأحد الأئمة.
ولقد كان هذا نفسه ما تعج به المشاعر في "تعز" كلما اضطرت للخضوع لسلطة إمام من الأئمة فإن تنازع الصدارة بين المدينتين قد رسخ عبر التاريخ بفعل استراتيجية كل منهما المختلفة عن الأخرى .. "فصنعاء" ذات حدائق الكروم والجمال الفتان والأدب الرفيع الرقيق .. والقريبة من أرض الأمجاد الأثرية أرض مأرب وظفار .. وتعز القريبة من منافذ اليمن إلى العالم الخارجي "عدن" و"المخا" ومركز المنطقة الخصبة السهلة وموطن الشعب السموح الوديع .. هاتان المدينتان اصطبغ التنافس الاستراتيجي بينهما صبغة عقائدية إذ تشيعت صنعاء بحكم موقعها من منشأ المذهب الزيدي وظلت "تعز" سنية، وبسيطرة السنة على كل تهامة التي تقع فيها زبيد حاضرة العديد من الدول اليمنية لفترة طويلة من الزمان إلى جانب "تعز" "إب" التي كانت "جبلة" و"مذيخرة" فيها مراكز حكومات لها شأنها المعروف في مقارعة حكومات صنعاء وغيرها.. بشيوع المذهب الشافعي في هذه المناطق المتوارثة تاريخياً منافسة "صنعاء" تضخم الإحساس بهذه المنافسة وتركز في "تعز" التي استطاعت أن تحافظ على الإحساس بذاتها كعاصمة بسبب استقرار الأتراك فيها وتركيزهم عليها كقاعدة احتياطية أمينة أكثر من سواها من مدن الجنوب في مواجهة صنعاء التي كانت على الدوام مهددة بغزو القبائل المؤيدة للإمام.
وبإحساس واضح صريح بكل هذا الإرث التاريخي استقبلت "تعز" الجيوش المظفرة من "المجاهدين في سبيل الله والإمام وضاعف من إثارة هذه الأحاسيس المعركة التي دارت رحاها في "حبيش" بين المواطنين ومجندي الإمام لذلك فقد كان الشعور السائد في مواجهة العهد المتوكلي أنه غزو واحتلال لا تحرير من حكم أجنبي، أو عودة لوضع شرعي انتظره المواطنون طويلاً، ولذلك فإن الانفعال المضاد كان جاهزاً منذ اللحظة الاولى لوفود الحاكمين الجدد وكانت الأنظار مركزة على التصرفات لتنقدها بالحق وبالباطل .
بعث الإمام يحيى إلى تعز حملة عسكرية بقيادة علي بن عبدالله الوزير الذي أطلق عليه لقب أمير الجيش .
وبالرغم من أن هذه المنطقة لم تكن مستعصية بحيث يحتاج الأمر لإرسال قوات عسكرية وأمير جيش ، إلا أن التأثر بالتاريخ هو الذي حرك هذه القوى ، وبعثها مزودة بشحنات عاطفية مضادة ، وكان قادة الجيش آنذاك أشد انفعالاً بتاريخ الصراع الدامي بين الأئمة والحكام اليمنيين الآخرين ، ذلك الصراع الذي اصطبغ بالصبغة الدينية أكثر من أي شيء آخر كجزء من الصراع الشيعي السني الذي طغى على البلاد العربية بعد انحلال الخلافة ولذلك فقد كانت الوحشة قائمة على أشدها بين الوافدين قواداً وجنوداً وبين المواطنين، واتسمت التصرفات كلها بطابع الحقد التاريخي ولذلك فقد كان من طليعة أعمال حكام العهد المتوكلي القضاء على الشخصيات القيادية المحلية بشتى الوسائل واختلاق المعاذير لابتزاز ممتلكاتهم ثم إنتهاب كل ما يمكن أن يصل إليه الجنود مما يمتلكه الفلاحون ، فقد كان الجندي القادم من الشمال (مجاهداً في سبيل الله) وكان الفلاح في الجنوب واحداً من (إخوان النصارى) ومرد هذين الاعتبارين إلى أن الشماليين كانوا يحاربون الأتراك (تحت راية الإمام بن رسول الله) و(ظل الله في أرضه) بينما كان الجنوبيون خاضعين لسلطة الأتراك منصرفين لاعمالهم في الحقول والأسواق، ولذلك فقد نظرت اليهم السلطة الجديدة المتعصبة نظرة المؤمن إلى الكافر .
ومن هذا السبيل تفجرت كل شحنات الحقد والمجاعة التاريخية التي عاشها الناس في جبال الشمال الجرداء .
وعلى الاعتقالات الجماعية لوجوه البلاد وأعيانها واحتلال الجنود منازل الفلاحين يطلبون إليهم أن يؤوهم ويطمعوهم ما يشتهون، وعلى أفواج المهاجرين من المواطنين يتركون نساءهم وأطفالهم هرباً من قسوة الحكام الجدد تفتح وعي الكثيرين من شباب "إب" و"تعز" .
وكما عمل اتصال بعض من شباب صنعاء بالعالم الحديث ، في أذهان الكثيرين كان رد الفعل واسعاً وقوياً في نفوس وعقول شباب "تعز" وما جاورها بفعل اختلاط بعضهم بالأجانب في "عدن" و"جيبوتي" و"مصوع" و"شرق أفريقيا" فقد كان هؤلاء أشبه ما يكونون بأدوات توصيل حضارية بين العالم الحديث وبين إخوانهم الذين خلفوهم من ورائهم في أرض الوطن إذ كانوا يوافونهم بالصحف العربية التي تصدر في القاهرة والكتب الحديثة التي تناقش الشئون الاجتماعية ، والفكرية والتاريخية مما أكسب البعض زاداً ثقافياً طيباً يمكنه من الانطلاق في شئ من الحرية والفكاك من عقلية الماضي وثقافته التي حملتها الكتب الصفراء أو المخطوطات القديمة التي كانت تحصر الاهتمامات كلها في أبواب الفقه الإسلامي المعروفة أو الأحاجي والألغاز التي تحويها كتب اللغة وقواعدها .
وهكذا ظلت المدينتان "تعز" و"صنعاء" تتفاعل كل منها بعوامل الثورة على العهد المتوكلي وفق مناخها وطقسها الفكري والنفسي، وكانت الصلة مقطوعة بين الطليعة هنا وهناك بسبب بعد الشقة التي لا تيسر قطعها مواصلات سهلة أو صحافة سيارة تنقل آراء كل فريق للآخر، حتى لقد كان كل تجمع يتم لبعض من الطليعة اليمنية في منطقة ما لا تعلم به بقية الطلائع إلا بالمصادفة وبعد وقت طويل وهكذا نجد نادي "الإصلاح الأدبي" مثلاً نشأ في "الحجرية" عام 1933م فلا يبلغ خبره إلى العدين إلا بعد نحو عام أو اكثر من نشوئه لأسباب خارجة عن قصد التعميم وشمول التنظيم .
وتبعاً لهذا الواقع انحصرت عوامل الثورة في كلا المدينتين الكبيرتين كل منهما لحال سبيلها، وبالتالي نشأت آراء متعددة ومختلفة في أوجه الحل للمشكلة كل بحسب ما يحس ويرى ويفهم وبحسب الأبعاد التي يترامى بصره اليها .

تطورات
ذلك هو الحال بين عامي 1918 – 1934م حين قامت الحرب بين اليمن والسعودية التي كان قيامها سبباً قوياً في انعاش الأفكار بين أبناء اليمن جميعا وكشف حقيقة المقدرة لدى الحكام في مواجهة آية قوة أخرى. كما حملت الحرب في تضاعيفها فرص اللقاء بين جماعات هنا وجماعات هناك وحين تم أول لقاء في تعز بين أحمد بن أحمد المطاع القادم من صنعاء من أجل وضع خريطة لليمن) وبين أحمد محمد نعمان الذي أسس نادي الإصلاح الأدبي في "ذبحان" وكان قد طلب إلى تعز وحددت إقامته فيها بسبب نشاطه الأدبي الذي رأت فيه سلطات تعز المتوكلية مروقاً من الدين وتشبهاً "بالنصارى" كما تحكي رسائل السيد علي الوزير "أمير الجيش" وردوده على مذكرات "الأستاذ نعمان" .
وفي هذا اللقاء الذي شارك فيه السيد عباس أحمد باشا، والشيخ حسن الدعيس وعلى الفقيه المعروف " بالمستر علي" والأستاذ محمد أحمد حيدره وكان ذلك سنة 1935م تم لقاء المدينتين وقام أول تنظيم يمني شامل فأسست (الجمعية اليمنية) واختير الأستاذ نعمان رئيسا لها ومن يومها بدأ الإتصال المباشر بين "تعز" "وصنعاء"
ثم تلاحقت بعد ذلك التنظيمات في قاهرة مصر وفي عدن من الكتيبة الأولى إلى شباب الأمر بالمعروف، إلى "حزب الأحرار اليمني" فالجمعية اليمنية الكبرى ثم "الاتحاد اليمني" .
وفي كل هذه التنظيمات كان الحرص قوياً وشديداً على حماية مبدأ الوحدة الوطنية وتجسيده بشكل بارز في مركز القيادة إذ أن الرئاسة والأمانة العامة ظلت مقسمه على الدوام بين مولود "بصنعاء" أو مولود في "تعز" وما كان ذلك إلا إحساساً بوجود التنوع في بواعث الثورة واعترافاً باختلاف الظروف التي تحياها المناطق المختلفة تحت ظل الحكم المتوكلي مما يستدعي تمثيلاً قيادياً عاش بكل مشاعره في حمى الظروف القاسية التي عاشتها مختلف المناطق .
ولكن ..
ومع هذا الإقرار لواقع الشعب المنقسم على نفسه داخلياً والحرص على معالجة هذا الانقسام الداخلي الا ان الانصراف الكبير لمحاولة هدم الوضع المتوكلي . لم تتح الفرصة للدراسة الواعية للأسباب التاريخية لهذا الإنقسام وإعداد الخطة الناحجة لرأب الصدع .
ذلك من جانب ، ومن جانب آخر ، فإن انعدام أسلوب الدراسة الشاملة لمتطلبات البلد في مراحلها الجديدة بسبب شح الينابيع الفكرية للثوريين اليمنيين قد أفسد أيضاً التفكير في حل التناقضات التي كان يحس بها أبناء الشمال في مجتمعهم المحصور وحوافز الثورة لديهم النابعة من ظروف حياة صنعاء وإذا بنا جميعاً وقد قدر للحركة الأخيرة في 26 سبتمبر 1962م أن تنجح وتستقر نواجه إشكالات التاريخ العريقة في بلادنا بإجراءات لم تصب المحز، وتتكافأ مع تاريخية المشاكل اليمنية . وليس ظلماً أو تهويناً من شأن قادة الحركة الأخيرة والحركه نفسها إذا قلنا أن التنفيس عن الحقد كان الطابع الوحيد الطاغي على كل التصرفات والإجراءات التي اتخذت منذ 26 سبتمبر 62 حتى اليوم، على النطاق الصنعاني سواء في مواجهة رجال العهد المتوكلي البارزين أو القبائل التي كانت تسند ذلك العهد، أو الفقهاء والمعممين الذين تفوح من رؤياهم روائح الكتب الصفراء أو المخطوطات القديمة .


تناقضات موهومة
وكما حرصت التنظيمات الشعبية المناوئة للعهد المتوكلي على تجسيد الوحدة الوطنية في إبراز شخصيات شمالية على مستوى القيادة في حين أن القواعد الرئيسية للحركة وعصبها الرئيسي قد كانت من أبناء المناطق الجنوبية المنفعلين بما لحقهم من إرهاق وإذلال. فقد حرصت قيادة الحركة الأخيرة على ذلك فاستوزرت عديداً من أبناء المنطقة الجنوبية وأشركتهم في كثير من المراكز الحكومية الهامة أكثر عدداً مما حدث في حركة سنة 48 حتى اصبحت القاعدة في كل تعديل وزاري أو تنظيم في أجهزة الدولة أن تقتسم المراكز مناصفة بين الشمال والجنوب......
وتبدو هذه الإجراءات عند البعض من أبناء الجنوب وكأنها حل للإشكال التاريخي إذ يتصورون أن التناقض الرئيسي في حياة الشعب هو استئثار فريق بالسلطات دون فريق آخر اتفاقاً مع التفسير البدائي القديم للصراع السياسي في بلاد العرب صراع الشيعة والسنة، وإغفالاً للمفاهيم الحديثة في تحليل التناقضات الاجتماعية ، وتحديد المعالم بين فئات الشعب وطبقاته غير أن هذا البعض يلاحق التطبيقات فيجدها متأثرة بالواقع النفسي القديم أى استشعار الاخرين حق احتكار السلطة تبعاً للدربة الطويلة على ممارستها فتثور عوامل السخط والحنق لدى الوافد الجديد للسلطة من أبناء الجنوب لأنه لم يجد في العهد الجديد تحقيق أحلامه في دقة كاملة ومن هنا ينشأ عامل من عوامل الشكوى والانزعاج من سير الأحوال .
وفي الجانب الآخر نجد الاستغراب والإحساس بالمفاجأة لوفود وجوه جديدة إلى السلطة من منبع جديد هو الجنوب إذ أن شيئا كهذا يوصل بعض المجالات أمام متوارثي القيادة السياسية في الدولة والمحترفين لها بحكم الماضي الطويل في ممارسة السلطة، ويأتي التبرير لاعتراض هؤلاء بشكل منطقي وهو "الكفاءة" فتقديم عامل الخبرة والمران أشد إلزاماً في نظرهم على ما عداه عند اختيار المسؤولين عن شؤون الدولة وهذه حجة وجيهة يضاعف من الحماس لها والتشدد في سبيلها ان بعض من رشحوا للمراكز الحكومية في العهد الجديد كانت أمامهم مجالات رزق واسعة في التجارة مما يغنيهم عن المنصب والمرتب. بينما يضيق الحال بكثير من شباب الشمال المتعلم الذي لا يجد سبيلاً للعيش في غير الوظيفة الحكومية.
وينشأ بهذا عامل جديد من عوامل السخط تشتد حدته حين نجد أن دخول العناصر الجنوبية التي لم تسلح بخبره سياسية أو إدارية قد كان ذريعة لإشراك عناصر شمالية غير واعية في مهام الحكم ومراكزه الرئيسية إذ أصبح الثقل السياسي للشخص مقدم في عرف الدولة على الكفاءة والخبرة فشيخ القبيلة المحاربة مثلاً أو الضابط المقاتل أحق بالتقديم على المفكر السياسي مما كانت المسافات واسعة في استعداداته واستعداداتهم الذهنية والإدارية .
ويوماً بعد يوم إتسع مجال الزحف علىالمراكز الحكومية من هذين القطاعين ، حتى أصبح المستنيرون سواء كانوا من المدرسة القديمة مؤسسي الحركة الوطنية قبل ثلاثين عاماً ، أو الطليعة الجديدة التي اتصلت بالمدارس الفكرية الحديثة أصبح هؤلاء وكأنهم دخلاء على مجالات القيادة أو هم في أحسن حالتهم ضيوف عابرون عليهم التزام الأدب مع الأسياد أرباب المنزل .
وإذا ما أتيحت فرصة لأحد هؤلاء المثقفين أن يلي مركزاً يحتاج لخبرته وفنه بصورة اضطرارية فإن التعامل يتم معه على أساس الاستخدام (وبحسب الحاجة وبقدر الاستلطاف) فيبدو وكأنه دويدار( ) وليس ابن البيت وهكذا نشأ الإحساس لدى هؤلاء بأنهم وإن كانوا في الظاهر مسؤولين في المستويات العليا إلا أنهم في الحقيقة مسئولون درجة ثالثة .

تبلور التناقض الحقيقي
وحين آلت السلطة لهذه الأيدي كان محتماً أن ترتكب من الأخطاء مالم يكن متوقعاً وإن كان هذا هو الطبيعي بسبب عدم الخبرة السابقة وبهذا واجهت البلد إلى جانب إثارة المشاعر المحلية والطائفية العجز في الإدارة والإرتباك. وكأننا في العهد القديم الذي كان يمارس التحكم الطائفي دون تفسير وفلسفة صريحة له إلا أنا حولنا الأمر إلى مبارزة طائفية ومحلية مكشوفة بإسم العدالة والمساواة دون أن نبحث حقيقة الظلم الإجتماعي الذي يعاني منه جميع المواطنين سواء كانوا مجندين مشردين من قراهم تحت خدعة الجهاد في سبيل الله أو فلاحين تعتصر جهودهم في شكل زكوة وأجور تنافيذ .
لقد أصبح أشد الناس حماساً واندفاعاً مع التفسير البدائي للتناقضات بين صفوف الشعب هو أحقهم بالتمركز والتسلط واثقاً لإثارته النعرة المحلية والطائفية وتم بالتالي تحقيق تعادل في النوعية بين الوافدين من الجنوب إلى السلطة وزملائهم الشماليين .
وبالتقاء الفريقين لم يسد الوئام بينهما لأن حيثية وجودهما خاطئة في أساسها ولا يمكن أن تنتج غير مزيد من الشقاق والخلاف والتنازع والشجار الذي يشقى به المواطنون جميعاً شمالاً و جنوباً حتى ليصح على الموقف المثل العامي اليمني (جا يكحلها عماها) .
إن كل فريق يطلب لنفسه مزيداً من المجد و السلطة تحت ستار المطالبة بالإنصاف لأهل منطقته ، فالشمالي يقول أن مناطق الشمال قد عزلت عن الحياة الجديدة خلال قرون عديدة وأصبحت مضرب المثل في التأخر و التخلف فلا طرق للسيارات و لا مدارس و لا معرفة بالعلاج الحديث ، و انما تدريب على الإنتحارات المتلاحقة في شكل حروب صغيرة بين إمام و آخر أو إمام و أمير في سبيل الحصول على الجنة الموعودة . و لذلك فالمسئول الشمالي الجديد ينجرف بحماس ساذج غير متبصر يطالب بتخصيص معظم المعونات للانشاء و التعمير في الشمال . و بسبب عراقة الشعور القبلي في مناطق الشمال و خشونة أساليب التعامل فيها : تبدو هذه المطالبات بشكل تحكمي مستفز، في حين نجد الجنوبيين يشكون من طول اضطهاد مواطنيهم في الجنوب على أيدي الحكام السابقين فهم يرجون لهم تعويضاً كبيراً بان يؤثروا بمعظم الخير الجديد ، لا سيما و موارد الخزينة الحكومية إنما تأتي من الجنوب أساساً لذلك فهؤلاء هم الذين يجب أن يعاملوا على أساس الأفضلية و الأسبقية .
و في مواجهة الأسلوب القبلي المستفز الذي يستخدمه الشماليون في مناقشاتهم أو محاوراتهم ، نجد الإنفعال المضاد يحتد و بعنف حتى ليطالب من يطالب بأن يحتفظ كل قسم بموارده و أن يختار هو بنفسه حصته من الوزراء و الموظفين الإداريين من بين أبنائه .
و من هذا جميعه يبرز أمام المثقفين التساؤل عن الإشكال الحقيقي و التناقض الرئيسي في حياة الشعب و طريقة حله :
أهو مجرد شكل الحكم و تحويله من إمامة إلى جمهورية ؟
أم التسلط الطائفي و اقتسام المراكز بين هؤلاء و هؤلاء ؟
و يأتي الجواب أن هاتين الحالتين ليستا سوى مظهرين من مظاهر التناقض الحقيقي في حياة الشعب .
أما التناقض الحقيقي فهو التخلف .. التناقض الحقيقي في حياة الشعب و ليس في حياة بعض أفراد طامحين ، أو عاجزين ..
و بقدر ما يستعصى فهم الحقيقة على الممسكين بالسلطة بقدر ما تعنف أزمة المثقفين الذين لا يجدون سبيلاً لتعديل الموقف ينطوون على أنفسهم يأسون على حال البلاد ، وهم يألمون لما حل بالسلطة من عجز و قصور حتى عن إدارة الأمور على النحو المألوف إضافة للمعاني الرديئة التي أثيرت في علاقات المواطنين ببعضهم فكأنهم على حد ما قال المتنبي :
أظمتني الدنيا فلما جئتها مستسقيا مطرت علي مصائبا

التقييم السليم للحكم
ولكم يشتد الجزع، وتحتد الأزمة عندما يواجه المثقف كل هذا فلا يقوى على مواجهته بموقف المعارضة الإيجابية التي يستدعيها الموقف، ذاك أن الجمهورية الوليدة حلم الشباب المثقف منذ أمد كحل للإشكالات والتناقضات قد أثيرت في وجهها حرب سافرة تكاد تقضي عليها وتئدها وهي في مهدها وذلك فإن الإيجابية المتطلبة قد تتيح للخصوم أن يستغلوها لصالحهم ضد وجود الجمهورية، فيؤثر المثقف الوقوف في سلبية تأكل عليه أعصابه، لأنه ما كان لمثقف أصيل أن يقف من شئون بلده موقفاً سلبياً، لاسيما إذا كان قد أسهم في مقاومة العهد المتوكلي. وهو في الوقت نفسه يضيق أشد الضيق بتقبل الحال كما هو عليه، لأنه يشهد أحلامه العزيزة مشوهة كالحة الوجه، فهو صريع الإحساس بالإشفاق والألم على أحلامه. والعجز القاتل دون حمايتها من العبث والتشويه، لأن الجهل المتحكم المتعصب لنفسه، لا يتورع عن حماية نفسه في مواجهة الناقدين بالقسوة واللعن، وأبسط ما يرمى به متصد للوضع (الرجعية) أو معاداة الثورة، وإذا به حين يتصدى للوضع بمحاولة التصحيح يتصور نفسه موصوماً بأقسى الاتهامات في وطنيته وتقدميته ، فيصبح : ملعونا ، وبغير عشاء؟!
ولكن لماذا يكون التصدي للمناقشة والنقد بغية تصحيح الأوضاع وحمايتها ، سبباً في إثارة المشاكل على الناقدين؟
إن مرد ذلك إلى عدم تقييم الحكم قيمته الحقيقية ، وأنه وظيفة اجتماعية لتنظيم شئون المواطنين ؛ ومعونتهم بالإرشاد الملزم على تحقيق أهداف حياتهم، ذلك أن المعنى الشائع والمتوارث للحكم والسلطة هو التحكم في الشئون العامة والخاصة لتحقيق رغبات وأهواء المتمسكين بالسلطة. وهذا المعنى هو الذي عرفه اليمنيون من خلال تجاربهم السياسية الطويلة. فهم إذا نعموا بحاكم يقدم بعض الخدمات كشق ترعة للماء أو حفر بئر ، فإنهم يسجلون ذلك له مأثرة أو حسنة يثاب عليها يوم القيامة. إذ ليست في عرفهم السياسي واجباً عليه نحو مواطنيه.
ولم يخل الحكام الذين عرفتهم اليمن خلال تاريخها الطويل من استشعار الحق الآلهي في التحكم. وإذ لم تتفاعل البلد بالأنظمة السياسية الحديثة ولم يكن للمدارس الفكرية الجديدة وجود محسوس في اليمن ، فإن تحويل نظام الحكم من الإمامة الى الجمهورية ، وتغيير شعار الدولة وعلمها لم يكن قادراً وحده على طي المسافات التاريخية بين العقلية المسجونة في صراع الشيعة والسنة وبين الصراع الأيدلوجي بين النظم السياسية المعاصرة. من ديمقراطية الطبقة العاملة. الى الديمقراطية الموجهة ، فالديمقراطية الغربية.
ولتحديد الموقف بشكل أصرح فإن الجمهورية الجديدة في اليمن لم تكن تعنى أكثر من انتزاع السلطة من السلالة الهاشمية إلى غيرهم ممن يسمون " القحطانية " أما جوهر التفكير السياسي وتحديد العلاقة بين الحاكم والمواطن ، وأثر الأخير في تحديد سياسة الأول ، فإن الأمر لا يعدو ما كان عليه في القديم ، وليس طبيعياً أن يكون تلاميذ المدرسة القديمة؛ أو الأحداث الذين لم يرثوا تجربة ، أو يكون لهم حظ أو نصيب في وعي سياسة الدول الحديثة بسبب العزلة الطويلة التي عاشتها اليمن. ليس طبيعياً أن يقوى هؤلاء على الخروج بالجمهورية عن دائرة الحكم السلطاني.
والإستمرار في اعتبار الجمهورية نقيضاً لوجود هاشمي على رأس الدولة كما هو الحال اليوم ، هو في الواقع والمفهوم السياسي للجمهورية اعتبار مغلوط الأساس. وهو إلى "السلطنة" التي لا تشترط هاشمية رئيسها – أقرب منها إلى الجمهورية التي لم يرتبط شكلها أو روحها في بلد ما بتحديد نوع سلالة رئيسها من بين سلالات الشعب.
إن العرقية في تحديد شخصية رئيس الدولة. منهج في التفكير متخلف ومنغلق، وهو سبب رئيسي للثورة على نظام الإمامة. ولذلك فلا يصح أن يكون الخطأ من الطرف الآخر. وأن يجعل هذا الخطأ في التفكير هو كل معنى للجمهورية.
وكما أنه لا يصح أن تكون "القحطانية" كل دلالات الجمهورية وسبب وجودها ، فكذلك لا يصح أن تفهم الثورة على أنها مجرد حمل السلاح أو هز القلم لمناوأة العهد الإمامي.
وإنما الثورية الحقة هي الخروج على أساليب التفكير السياسي العتيقة التي احتبست كل طاقات شعب اليمن في مصارعة ذاتية أودت بسمعة هذا الشعب العريق، وجعلته واحداً من الشعوب المتخلفة البائسة المشردة.
إن الثورية الحقة التي تعطي صاحبها حق الإمساك بزمام السلطة هي الوعي الكامل لحقيقة أسباب تخلف الشعب، والإدراك البصير لسبل الرقي به وتحقيق الوحدة الشعورية بين أبنائه ؛ والقضاء على أوجه البؤس والشقاء الذي يسيطر على حياته ، واستعادة كرامته أمام نفسه؛ وأمام السلطة ، وأمام الأخرين خارج حدود بلده.
ولن نبلغ شيئاً من ذلك إذا لم نكن مزودين بالثقافة الثورية؛ ننهلها من كل تجربة إنسانية، وإذا لم نعتمد اٍلأسلوب العلمي أساساً لتفكيرنا وتصرفاتنا وذلك بدراسة مشاكلنا على الطبيعة دراسة مباشرة جادة معتمدة على اللقاء المباشر بجماهير شعبنا، واعتماد الإحصاء وسيلة، والتخطيط الشامل منهجاً، باسطين داخل نفوسنا وعقولنا خريطة اليمن، كل اليمن نتنسم روائح أجوائها جميعاً ؛ ونحصى طاقاتها كلها ، واحتياجاتها كلها ؛ لنخرج بالخطة الشاملة التي تعيد لنا بناء اليمن الحديثة الموحدة المتطورة.
إن نظام الحكم الأمثل في اليمن هو النظام الذي يعرف أن مهمته الأساسية وسبب وجوده ليس غير إعادة تنسيق العلاقات بين المواطنين، على أساس عادل منصف، وإقامة الروابط بين المواطنين وأرضهم بطريقة تغمر نفوسهم بالإعتزاز والحب لها ؛ وتيسر لهم الرزق الهنئ العزيز .. فلا يحتاجون للهجرة والاغتراب ، يفرون بأنفسهم من عناء الفاقة وقسوة البؤس؛ أو ينجون بها من ظلم بعضهم لبعض، واختطاف بعضهم لقمة العيش من أفواه بعضهم الآخر.
وتلك هي الثورة الحقة التي يشير لها الرئيس جمال عبدالناصر في قوله :
(إن الثورة .. كل ثورة لا تستحق إسمها إلا إذا اعتمدت الأسلوب العلمي فكراً وعملاً، طريقا لها .
إن الثورة ليست مجرد غضب الثوار على الأوضاع القديمة التي تستبد بمجتمعهم وتعرقل حركته ، وتحول دون انطلاقه.
وإنما الثورة هي علم التغيير الإجتماعي الشامل العميق لصنع حياة جديدة تفي بمطالب الثوار وآمالهم ).
نعم .. إن الثورة هي علم :
التغيير الإجتماعي ..
الشامل ..
العميق ..
لصنع حياة جديدة .
وليست الثورة المتطلبة مجرد استبدال رجال في سدة الحكم برجال آخرين بقوة السلاح.

مسئولية الطلائع الجديدة
من هذا التعريف المحدد لمعنى الثورة تتجه أبصارنا نحو المسئولين الطبيعيين عن تحقيق وجود الثورة ، وحمايتها ، واستثمارها الاستثمار الإيجابي إن الثورة ليست تنفيسا عن غضب الثوار وحقدهم وإنما هي البصيرة النافذة المدركة لما يعانيه المجتمع بكل أجزائه ، من مشاكل اقتصادية واجتماعية والقدرة على وضع الخطة الشاملة لتغيير المجتمع في عمق يضرب في أغوار التاريخ، وشمول ينفتح على أرجاء الوطن كله.. مناطق ، وطبقات ، وفئات.
وهل يكون غير المثقفين حقاً أقدر على امتلاك هذه النظرة الشاملة ؟
المثقفون الذين عاشوا مأساة شعبهم في حاضر ، ودرسوا تاريخه ، وتزودوا فوق ذلك بالثقافة والعلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://yafae.cool.st
الواثقه بالله
مديرهـۃ ال آمون ♦
مديرهـۃ ال آمون ♦
الواثقه بالله


انثى عدد المساهمات : 776
نقاط : 2955
تاريخ التسجيل : 30/05/2013
عمرك : 26
الموقع : في بيتنا
العمل/الترفيه : طالبة
المزاج : عال العااال

اضواء على طريق اليمنيين Empty
مُساهمةموضوع: رد: اضواء على طريق اليمنيين   اضواء على طريق اليمنيين Emptyالأحد ديسمبر 06, 2015 9:37 pm

طرح جمييييل وقيم ننتظر المزيد من طروحك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://amna-alsamey.yoo7.com
سلطآن زمآنه
لجنهـۃ آل امون ♦
لجنهـۃ آل امون ♦
سلطآن زمآنه


ذكر عدد المساهمات : 2128
نقاط : 2241
تاريخ التسجيل : 22/06/2013
عمرك : 26
الموقع : مُـﻮَ ﭑﻧـﺎ ﺈﻟـﻠـﻲ ﻣـﻤـﺘـﻠـﻲ ﻗـﻠـﺒـه ّ ﺣـﻘـﺪ ! ﭑﻧـﺈﺂ ﺂﻟـيـﺂفعُيَ ﺑـ ( ﺂﻟـﻨـﻘـﭑﭑ ) ﻳـﺸـﮬـﺪﻭﻟـﻲ
العمل/الترفيه : ليت الزمان يعود يومآ .. منتدانا واعصييييييييد
المزاج : لَستُ بـِ كَامِلَ ،، لَكِنّي تَرَبَيتُ علىَ يَد إمْرَأة يَصمُت الكَونْ لـِ رَوعَتهَا !* —

اضواء على طريق اليمنيين Empty
مُساهمةموضوع: رد: اضواء على طريق اليمنيين   اضواء على طريق اليمنيين Emptyالثلاثاء ديسمبر 08, 2015 3:24 pm

طرح حلوو .. مع انننا ما قريته كله
استمر ي حلوو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sil-pride.forumotion.com/
 
اضواء على طريق اليمنيين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» اضواء على طريق اليمنيين 2
» *****************طريق واحد****************

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى امنه السامعي :: "°o.Oالمنتدى العام ..} O.o°" || :: آلَمِوِسًسًـوِعَ ـهِ آلَحً ـرة-
انتقل الى: